Friday 1 August 2008

بعد أحمدي نجاد.. أردوغان يسبق العرب إلى بغداد


تقرير: شعلان شريف- إذاعة هولندا العالمية
11-07-2008

وصف المسؤولون العراقيون زيارة رئيس الوزراء التركي إلى بغداد يوم أمس بأنها "تاريخية"، وأشادوا جميعهم بما تحقق فيها، خاصة تأسيس لجنة عليا للتعاون الاستراتيجي بين البلدين. لكن المواقف التي جاءت من أربيل، عاصمة إقليم كردستان، اتسمت بشيء من التحفظ. فلم يصدر تعليق من رئيس الإقليم، ولا من حكومته، بينما أعرب رئيس برلمان الإقليم، عدنان المفتي، عن أمله بأن الزيارة سوف "تنهي مرحلة العلاقات الباردة التي شهدتها العلاقات بين بغداد وأربيل وأنقرة".
الإيرانيون والأتراك يسبقون العرب
قبل يومين من وصول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أعلن في بغداد عن تأجيل زيارة للعاصمة العراقية كان يفترض أن يقوم
بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. أجلت الزيارة إلى إشعار آخر، لأسباب أمنية وفقاً لبيان رسمي عراقي. ولم يطل الانتظار بالنسبة للحكومة العراقية، حتى استقبلت زعيماً آخر من زعماء المنطقة، وهو أردوغان. وكان قد سبقه إلى زيارة بغداد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. من الواضح أن الحكومة العراقية بحاجة ماسة لزيارات من هذا المستوى، لإظهار نجاحها على الصعيدين الأمني والدبلوماسي السياسي. وقد قام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في الأسابيع القليلة الماضية بزيارات إلى الأردن ثم الإمارات العربية المتحدة، ووعدته الدولتان العربيتان بالإسراع بتعيين سفيريهما في بغداد.

لا شّك في أن زيارة أدروغان، والوعود العربية برفع التمثيل الدبلوماسي في بغداد، تعزز من موقف الحكومة العراقية، داخلياً وخارجياً. فهي من جهة تؤكد ما تعلنه بغداد عن تحسن الأوضاع الأمنية، وأن العاصمة بغداد، التي كانت حتى وقت ليس بالبعيد، مسرحاً لأشكال متعددة من العنف، قد أصبحت بالفعل تحت سيطرة الأجهزة الأمنية الحكومية. ومن جهة أخرى فإن الحكومة العراقية المتهمة من قبل أطراف محلية وإقليمية، بالارتباط بطهران، بسبب هيمنة الأحزاب الشيعية الدينية عليها، التي تربطها علاقات تاريخية بالجمهورية الإسلامية، راغبة بدحض هذه التهمة، عبر الانفتاح على الدول الإقليمية الأخرى، وخاصة الدول العربية وتركيا.

بالطبع أحيطت زيارة أردوغان بإجراءات أمنية مكثفة، وقد وصل العاصمة العراقية صباح أمس الخميس وغادرها في وقت متأخر من مساء اليوم نفسه، ولم يعلن عن مغادرته إلا في وقت متأخر اليوم الجمعة. لكن الزيارة كان قد أعلن عنها مسبقاً، على عكس الزيارات المفاجئة التي قام بها زعماء الدول التي لديها قوات عسكرية في العراق، مثل الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، والحالي غولدن براون.

حزب العمال
أسفرت الزيارة عن تشكيل لجنة عليا للتعاون الاسترتيجي بين البلدين، يرأسها رئيسا الحكومتين، وتضم عدداً من الوزراء في مجالات التجارة والطاقة والاستثمار والمياه والأمن. ولعل الموضوع الأمني هو الأكثر أهمية بالنسبة للجانب التركي، الذي يطمح بالقضاء النهائي على حزب العمال الكردستاني، الذي يتخذ مسلحوه من المناطق الجبلية الوعرة في أقصى شمال العراق معقلاً لهم، وينطلقون منها، بين حين وآخر، لشن هجمات على مواقع تركية. وفي الشتاء الماضي لاحقت قوات تركية مسلحي الحزب الكردستاني الانفصالي، داخل الحدود العراقية، مما أثار مخاوف واحتجاجات في أوساط الكرد العراقيين. وقد كان الموضوع حاضراً بوضوح في اتفاقية التعاون الاستراتيجي التي وقعها رئيسا الوزرا يوم امس، حيث جاء فيها "إحترام أمن أراضي كل من البلدين للآخر، ودعم جهودهما المشتركة لمنع تنقل الإرهابيين والأسلحة غير الشرعية من وإلى العراق، والتأكيد على أهمية تقوية التعاون بينهما للسيطرة على الحدود المشتركة ومنع جميع أشكال النقل المحظور، ويتضمن ذلك الدعم المالي واللوجستي وكل أشكال الدعم الأخرى للإرهابيين والمنظمات الإرهابية وكذلك رفض استخدام اللغة المشجعة على العنف والإرهاب".

شعار حزب العمال الكردستاني
لكنّ الطرفين كانا حريصين أيضاً على تطمين الجانب الكردي العراقي، الذي يقول زعماؤه أن العمليات التركية في المناطق الحدودية لها أهداف أخرى غير معلنة، تتمثل في محاصرة وإضعاف، وربما إنهاء، تجربة الحكم الذاتي التي يتمتع بها أكراد العراق، والتي تثير في تركيا مخاوف من امتداد تأثيراتها إلى مناطقها الكردية. وقد جاء في الاتفاقية تمسك الطرفين بـ "إحترام التعددية الثقافية، والدينية والقومية للعراق، مع التأكيد على ضمان احترام التعايش السلمي لجميع المكونات واحترام الهوية العراقية من أجل مستقبل العراق."، وهو ما يمكن تفسيره باعتباره التزاماً تركياً باحترام خيارات العراق في ما يخص أوضاع الجماعات القومية فيه، بما فيهم الأكراد. وليس من المؤكد أن يعتبر الأكراد هذه العبارة كافية لكي يطمئنوا إلى جارهم الشمالي الكبير، الذي لا يخفي قلقه من مظاهر الاستقلال الكردية.

حزب العمال مقابل المياه
من المشاكل الأخرى العالقة بين تركيا والعراق، منذ ما يقارب عقدين، هي مشكلة المياه. فقد تراجعت مناسيب المياه بشكل واضح خلال العقدين الماضيين في نهري العراق، دجلة والفرات، اللذان ينبعان كلاهما من الأراضي التركية. وبالرغم من أن أسباباً عدة تقف خلف انخفاض مناسب المياه، لكن السبب الرئيسي، حسب الخبراء العراقيين، هو السدود الضخمة التي أقامتها تركيا، لتوليد الطاقة الكهربائية، ولري مشاريع زراعية كبيرة. ولم تنجح جولات عديدة من المفاوضات، في عهد النظام السابق، مع الجانب التركي، والتي شاركت فيها سوريا أيضاً، التي يمر عبرها نهر الفرات، والتي تضررت هي الأخرى من سياسة المياه التركي، لم تنجح في دفع أنقرة إلى التراجع عن تنفيذ مشاريعها الضخمة على النهرين، أو في إيجاد تقسيم أكثر عدالة للمياه.

في هذا الصدد قال أردوغان في مؤتمر صحافي أمس الخميس إن "تركيا حريصة على أن لا تحرم العراق من المياه، على الرغم من حاجة تركيا الماسة إليها". وأضاف إن بلاده "تقوم في الوقت الراهن باستثمارات في المنطقة، وتسعى لتنفيذ عدد من المشاريع، منها مشروع الأناضول"، معربا عن اعتقاده بان تنفيذ هذه المشاريع "سيحقق نجاحات كبيرة وفوائد مشتركة للبلدين". وبالرغم من عدم تطرق الاتفاقية إلى تفاصيل بهذا الشأن، فإنه من المرجح أن توافق تركيا على زيادة إطلاق المياه في النهرين بدرجة ما، كمكافأة لبغداد على تعاونها في مطاردة مسلحي حزب العمال.

No comments: