Thursday, 18 December 2008

خبير اقتصادي: البطالة العربية "خطر" يهدد الأمن القومي






منتهى الغرابة، حال الوطن العربي الذي يعيش بعضه مرفّـهًا لدرجة الغِـنى الفاحش، بينما يعيش بعضه الآخر فقيرًا لدرجة العوْز والحِـرمان، وبين هذا وذاك، تجده يحوي بين طياته 12 مليون عامل أجنبي، بينما هناك 17 مليون مواطن عربي عاطلين عن العمل في وطن يبلغ تعداده 388 مليون نسمة..."

هذا ما أكّـده التقرير الأول لمنظمة العمل العربية، الذي أوضح أن "هذا الرقم هو الأعلى والأسوأ في العالم"، حيث تمثل 14% من قوة العمل و25% من قوة الشباب.ولفت التقرير النظر إلى تدنّـي المستويات التعليمية للعاطلين عن العمل وضُـعف الخِـبرة المِـهنية وغِـياب التدريب المِـهني الموجّـه لسوق العمل، إضافة إلى غياب التخطيط وارتفاع نِـسبة الإناث العاطلات.وانتقد التقرير الهُـوّة الكبيرة القائمة بين دول النفط الغنية، التي تحتاج لأيد عاملة كثيرة وتستوردها من الخارج، وخاصة من دول شرق آسيا، والدول الأخرى الفقيرة التي تزخَـر بها الأيدي العاملة، والتي ترفضها الدول الغنِـية بدعوى أنها غير مدرّبة.وكشف التقرير أن نِـسبة البطالة بين الشباب في بعض الدول العربية تصل إلى 66%، وهو ما يؤكِّـد أن سياسة التعليم في الدول العربية غير سليمة، ممّـا يتطلّـب إعادة النظر فيها – بحسب وصف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى - الذي طالب بضرورة تطوير التعليم وخلق فُـرص عملٍ جديدة، موضِّـحًا أن ذلك مرتبِـط بالانفتاح على العالم الخارجي والاستثمار.حول هذا الأمر (البطالة) وهذا التقرير (الأول) لمنظمة العمل العربية، التقت سويس إنفو مع الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار، رئيس تحرير تقرير الاتِّـجاهات الاقتصادية الإستراتيجية الذي يصدِره مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، ليحدثنا عن حقيقة الأزمة وتأثيرها على التنمية وأسبابها وسُـبل مواجهتها، خاصة مع ارتفاع هِـجرة العقول العربية الفذّة إلى الخارج وعدم الاستفادة منها..

سويس إنفو: في البداية، كيف ترى أزمة البطالة في العالم العربي؟

الخبير الاقتصادي أحمد النجار: أراها كارثة. فالأمر جِـد خطير. وأندهش، لأن الحكومات العربية تقِـف محلك سرّ ولا تتحرّك قيد أنملة لوضع حلول لهذه الأزمة الكبيرة، والتي باتت الغول الذي يظل يكبر وينمو يوميًا إلى أن يأتي يوم ويقضي على الأخضر واليابس، وأنا أحذر من ذلك وأطالب بضرورة مواجهته، لأن الشباب الجالسين على المقاهي هم "قنبلة موقوتة" من المُـمكن أن تنفجر في أي لحظة، والمُـحزن أن الحكومات العربية لا تتعلّـم من ماضيها.وفي اعتقادي أن أحدَ أهمّ أسباب بروز ظاهرة "الجماعات المتطرفة" في العالم العربي، هو تفشي البطالة، ولو لم تكُـن البطالة، ما كان هناك تطرّف أبدًا، ولك أن تعلم أن البطالة في العالم العربي هي الأعلى عالميًا؛ إذ أن هناك ما يقرب من 20 مليون مواطن عاطلين، وهذا الرقم مهول وضخم جدًا، وما لم يكن هناك حلّ، فستكون النتيجة كارثية بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ولهذا، فيجب النظر إلى البطالة على أنها "قضية أمن قومي"، يجب تكاتف الجميع لصدّها والعمل على حلِّـها، لأن الجميع سيُضار منها.


سويس إنفو: لكن، ما الذي أدّى إلى تفاقم الأزمة إلى هذا الحد.. وكيف أصبحت البطالة غولا يهدِّد الأخضر واليابس؟

الخبير الاقتصادي أحمد النجار: هناك للأسف تباين واضح بين خرِّيجي شهادات التعليم المختلفة، وبين احتياجات سوق العمل العربي، هذا من
جهة. ومن جهة أخرى، نقص الخدمات الدّاعمة للتشغيل، فلَـك أن تتخيّـل أن العالم العربي يشهَـد تخرّج الملايين من الدّفعات التعليمية سنويًا، كم من هذه الدفعات يقابلها مكانًا للعمل، بالطبع القليل جدًا. كل هذه التراكمات تستمرّ لسنوات طويلة ولم تتحرك أي حكومة جاءت في أي بلد عربي للعمل على حلّها، مما أدّى لتراكمها، وبات حلّها أمرا عسيرا.فقد أصبحنا اليوم نتحدث عن حجم مخيف للبطالة يتراوح بين 20 - 24 مليون مواطن عربي عاطلين عن العمل، وهذا حسب الدراسات الحكومية، إذ من الممكن أن يكون الرقم أكبر من ذلك بكثير، إذ أن التقارير والدراسات الحكومية تغفَـل دائمًا العاملين داخل مُـحيط الأسرة، وهؤلاء نسمِّـيهم في الاقتصاد "العاملين بدون أجر"، فمثلا في مصر، هناك ما يقرب من 15% من عدد السكان يعملون بدون أجر، بينما في السودان والجزائر تصِـل النسبة إلى 17%، فإذا أضفنا هؤلاء إلى نسبة "البطالة المقنعة"، فإننا نجد أن عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي يقترِب من 30 مليون مواطن.
سويس إنفو: برأيك ما هي أهم أسباب البطالة في العالم العربي؟

الخبير الاقتصادي أحمد النجار: بالطبع، السياسات التعليمية الخاطئة هي أحد أهم الأسباب، وأنا أطالب بضرورة تغيير نظرة المجتمع إلى المِـهن المختلفة، ولَـك أن تتخيّـل أن الكلفة الاقتصادية للبطالة في 11 دولة عربية تصل إلى 25 مليار دولار سنويًا، أو 2،3% من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة، وتُـعد المغرب هي الدولة الأكثر تحمّـلا لتكاليف البطالة، إذ تصل تكلفة البطالة فيها إلى 7،7 مليار دولار سنويًا، والجزائر 5،6 مليار دولار سنويًا، ومصر 4،6 مليار دولار سنويًا، والسعودية 3،2 مليار دولار سنويًا!!وهناك سبب آخر أراه لا يقِـل حدّة عن السياسات التعليمية الخاطئة، ألا وهو التبَـعية للسياسة الاقتصادية الأمريكية، التي تدعو إلى سرعة التحوّل نحو السوق، بغضِّ النظر عن وجود المقوِّمات التي تساعد إمكانية حدوث هذا التحول، إذ أن العالم العربي يفتقِـد للشفافية التنافسية والهياكل المؤسسية، التي تساعد على خلق سوق قوي، إذ أن الاحتكار بات السِّـمة السائدة في الأسواق العربية، وهذه الآفة تُـساعد على نمُـو البطالة، لأن الاحتكار يمنَـع ازدياد التنافسية، ومِـن ثَـم ظهور مؤسسات جديدة تجتذِب عمَّـالا جُـدد، وعليه، فإنني أطالب الحكومات العربية بمُـحاربة الاحتكار، لخلق سوق تنافسي يتحمّـل أكثر من منافس، وبالتالي، شركات جديدة تتحمّـل أفرادًا جُـدد، ممّـا قد يساعد على مواجهة غول البطالة.

سويس إنفو: يبدو أنه توجد علاقة وطيدة بين هجرة العقول العربية والبطالة.. كيف تراها؟

الخبير الاقتصادي أحمد النجار: بالطبع العلاقة وطيدة جدًا، لأنه ببساطة، لولا البطالة ما فكّـر أحد من هذه العقول في الهجرة، لأننا كشعوب عربية لا نحِـب الغربة والهجرة، لكن الظروف الاقتصادية تفرِض علينا أمورًا ربما لا نقبلها في أحيان أخرى، ويكفي أن تعلَـم أن نحو 50% من الأطباء العرب و23% من المهندسين و15% من العُـلماء يهاجرون إلى أمريكا وكندا سنويًا، وللأسف فإن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلادهم، كما يهاجِـر نحو 20% من خرِّيجي الجامعات العربية إلى الخارج، بسبب القيود المفروضة على حرية البحث العِـلمي والتفكير الحر.هذا غير أن 75% من المهاجرين العرب من ذوي الشهادات العليا يستقرّون في أمريكا وكندا وبريطانيا، والأخيرة لوحدها تحوي 34% من الأطباء العرب المهاجرين، ولعلّ أبرزهم جرّاح القلب المصري العالمي الدكتور مجدي يعقوب، ولَـك أن تتخيل أن مستوى الإنفاق على البحث العِـلمي في الوطن العربي لا يتجاوز 0.2% من إجمالي الموازنات العربية، وهذا رقم أقلّ بكثير مقارنة بما يحدث في العالم كلّه، حيث تبلغ في إسرائيل 2.6%، وذلك مقارنة بما تُـنفقه أمريكا 3.6% والسويد 3.8% ‏وسويسرا واليابان 2.7% وفرنسا والدنمرك 2%.ومن ثم، فإن ضعف الاهتمام بالعِـلم والبحث العلمي، يعد أحد العوامل المركزية في الضعف الإستراتيجي العربي في مواجهة إسرائيل، وأحد الأسباب الرئيسية وراء إخفاق‏ ‏مشاريع النهضة والتنمية العربية، ولذلك، فإنني أطالب بضرورة مُـضاعفة الإنفاق العربي على البحث العلمي إلى 15 ضعفًا عن المعدّلات الحالية،‏‏ وتطوير السياسات المشّجعة على تطوير البحث العلمي في كل قطاعات المجتمع، وذلك لوقف المعدّلات العالية للهجرة إلى الخارج والاستفادة منها في التنمية، كمحاولة لسدّ الفجوة العلمية والتكنولوجية بين العرب وإسرائيل.
سويس إنفو: بمناسبة الحديث عن الحلول.. ما هو الحل العِـلمي لمواجهة خطر هجرة العقول العربية؟

الخبير الاقتصادي أحمد النجار: يجب اعتبار هذه القضية قضية أمنٍ قومي، ووضع إستراتيجية عربية موحّـدة لمواجهتها، وضرورة تبنّي المواهِـب المختلفة وعدم إهمال الاختراعات التي تقدّم بالمئات إلى الجامعات وأكاديميات البحث العلمي في العالم العربي، دون أن تجد طريقها للتنفيذ على أرض الواقع، كما أنه يجب على الجامعات العربية الحِـرص والتمسك بعلمائها وأساتذتها الكِـبار وعدم التفريط فيهم بسهولة، مهما كانت المُـغريات في الخارج، سواء من خلال تقديرهم ماديًا وأدبيًا، والتوسع في إنشاء الأكاديميات التكنولوجية والبحثية.بالإضافة إلى أن هناك ضرورة مُـلحّـة للتعاون العربي، سواء من خلال الجامعة العربية ومراكز البحوث أو مؤسسات الأعمال والقِـطاع الخاص، فضلا عن ضرورة وضع الضوابط اللاّزمة التي تَـحُـول دون بقاء أعضاء البعثات في الخارج وخضوعهم لإغراءات تُـقدَّم لهم، كما أطالب بضرورة وضع ضوابط محدّدة لهجرة العلماء العرب للخارج، لا تصل إلى حدّ تحريم الهجرة، وإنما تقييدها وترشيدها، للاستفادة من هذه العقول في إحداث نهضة وتنمية عربية شاملة.
همام سرحان – القاهرة

No comments: