Friday, 5 September 2008

الجذور التاريخية لمشكلة دارفور


كانت دارفور( وتعنى ديار الفور نسبة إلى القبيلة الرئيسية التى تعيش فيها) سلطنة مستقلة عن السودان بحدوده التى تشكلت عام 1821 على يد محمد على باشا والى ممصر إبان االإمبراطورية العثمانية التى ثار عليها محمد أحمد المهدى عام 1881 ليبسط سيطرته على السودان عام 1885 بعد إغتيال الجنرال غوردون حاكم السودان وقتئذ.

و اندثرت الدولة المهدوية فى السودان بعد إنتصار القوات البريطانية بقيادة كتشنر فى معركة أمدرمان عام 1898التى جاءت لهذا الهدف وللسيطرة على منابع النيل وحرمان القوى الإستعمارية الأوربية الأخرى من ذلك.

وتمكنت بريطانيا بعد عام من ذلك التاريخ من إقناع مصر بتحمل تكاليف حكم السودان ووقعت معها إتفاقية الحكم الثنائى للسودان التى كانت لبريطانيا اليد العليا فيها.

عند إندلاع الحرب العالمية الأولى دخلت بريطانيا فى حرب ضد تركيا التى كانت تشاركها من الناحية النظرية حكم السودان.

ونادى السلطان العثمانى وقتها بالجهاد ضد البريطانيين فى فتوى صدرت فى 11 فبراير/شباط 1914 .

ووجدت تلك الفتوى هوى فى نفوس المسلمين من ناحية عامة واستجاب لها السلطان على دينار الذى كان يحكم سلطنة دارفور وقتذاك ، فقامت بريطانيا بالقضاء على حكمه وضمت دارفور رسميا للسودان عام 1916.

جذور الصراع

تقطن إقليم دارفور قبائل عربية وأخري إفريقية تتحدث إلى جانب العربية لغاتها الخاصة ويقدر عدد القبائل التى تقطن الإقليم بحوالى مئة.
ويبلغ عدد سكان الإقليم الذى تفوق مساحته مساحة فرنسا حوالى ستة ملايين نسمة. ومن أشهر القبائل الإفريقية الفور والزغاوة و المساليت والبرتى والتاما والبرحق والفلاتة أما القبائل العربية فتشمل الرزيقات والتعايشة والمسيرية وبنى هلبة والمعاليا والسلامات و الحوامدة والمهيرية والترجم.

يعتبر الإقليم إلى جانب إقليم كردفان المجاور المنطقة الرئيسية لإنتاج خمس إنتاج الصمغ العربى فى العالم كما يوجد به نحاس ويورانيوم و مخزون نفطى واعد.

ولكن من الناحية التاريخية وحتى اليوم كانت القبائل العربية التى تعيش فى حالة تنقل تمارس الرعى بينما كانت جل القبائل الإفريقية مستقرة وتمارس الزراعة

وكانت القبائل الإفريقية تسمح للقبائل العربية ومواشيها بدخول أراضيها فى تبادل للمنافع حيث تساهم الحيوانات فى تخصيب الأرض الزراعية فى الفترة من ديسمبر / كانون الأول وحتى أبريل/ نيسان أو مايو / أيار حين يبدأ موسم الأمطار ليعود بعده الرعاة بماشيتهم إلى
مناطق الرعى الطبيعية .

العامل البيئي
وكان العامل الأول الذى أدى إلى النزاع بين الطرفين هو الجفاف و التصحر حيث تضطر القبائل الإفريقية إلى الدفاع عن أرضها عندما يحاول الرعاة اللجوء إلى المناطق المخضرة هربا من الجفاف والتصحر. وظلت هذه النزاعات تندلع فى أوقات الجفاف والجدب الشديدة منذ خمسينات القرن الماضى ، ولكن العلاقة كانت دائما تعود إلى وتيرتها السابقة من سلام ووئام وتبادل للمنافع بعدأن يحسم الخلافات زعماء العشائر من الطرفين و لم يخرج النزاع من هذه الدائرة الضيقة.

فما هى العوامل الأخرى التى أدت إلى تفجر النزاع إلى الدرجة الخطيرة التى وصل إليها فى الآونة الأخيرة؟

ويعتقد المراقبون أن النزاع فى صورته الحالية لايمكن أن يصنف فى إطاره القبلي فقط ، كما لايمكن بالقدر ذاته تحميل الحكومة الحالية مسؤوليته الكاملة فهو صراع معقد تتداخل فيه العوامل البيئية والعرقية من ناحية و السياسية و الإقتصادية الداخلية والخارجية من ناحية أخرى .

أدى الجفاف والتصحر الذى حدث فى فترة الثمانينات إلى تفجر الصراع وزاد من تعقيداته إندلاع الحرب فى الجنوب إضافة إلى الحرب التشادية الليبية مما أدى إلى تدفق الأسلحة إلى الإقليم وتدريب المقاتلين من الجانبين.

أسباب إقتصادية وتنموية
وأدت السياسة الإقتصادية التى بدأت بتشجيع من صندوق النقد الدولى إلى تصدير الإنتاج الزراعى الغذائى فى أواخر سنى حكم جعفر محمد نميرى و المجاعات فى أيام القحط والجفاف إلى إنهيار العلاقة الحميمة بين المزاعين والرعاة ، حيث كان المزارعون يمنعون الرعاة من دخول مزارعهم و يتخذون إجراءات من قبيل قفل الآبار و حرق القصب المتبقى فى نهاية موسم الحصاد الذى كانت تقتات عليه ماشية الرعاة.
مما يجدر ذكره أن القطن كان السلعة الرئيسية التى يعتمد السودان عليها فى دخله القومى ولكن وبعد أن بدأ سعره يتراجع فى الأسواق العالمية، بدأت صادرات اللحوم من السودان تنافسه تدريجيا حتى أن دخل البلاد من عائدات تصدير الماشية فاق عائداتها من القطن لأول مرة عام خمسة وثمانين.

ولهذا السبب الإقتصادى البحت هناك من يرجع وقوف حكومة الصادق ا لمهدى 85- 89 والحكومة الحالية التى أطاحت به فى إنقلاب عسكرى إلى جانب الرعاة العرب على حساب المزارعين الأفارقة فى دارفور، رغم أن هناك عوامل أخرى.
فبالنسبة للصادق المهدى كانت القبائل العربية فى دارفور تصوت لصالح حزب الأمة الذى يتزعمه حيث فاز أربعة وثلاثون من نواب حزبه فى البرلمان فى دوائر إنتخابية فى دارفور، فضلا عن أن أنه إستنقرها للقتال إلى جانب الجيش فى الحرب فى الجنوب ضد الحركة الشعبية بزعامة جون غارانغ ، وتم تكوين نواة ميليشيات الدفاع الشعبى فى عهده والتى توسعت فيما بعد على ايدى الحكومة الحالية.
فى الوقت ذاته ومنذ نهاية السبعينات ونتيجة لعزلة دارفور التى لايربطها حتى الآن طريق معبد ببقية أرجاء البلاد إزدادت ظاهرة النهب المسلح التى تقول القبائل العربية إنها كانت تستهدف أنعامها فبدأت القبائل العربية تستفيد من التدريب العسكرى ومن تدفق الأسحة إلى الإقليم فى الدفاع عن مواشيها فى الوقت ذاته إزدهرت عمليات تهريب السلع من و إلى الدول المجاورة.

وظل أبناء دارفور و منذ عهد بعيد يجأرون بالشكوى من خلو المنطقة من مشاريع التنمية وضعف الخدمات الصحية والتعليمية. أسباب سياسية عرقية

وهناك من يضيف عاملا آخر إلى أسباب وقوف الحكومة الحالية إلى جانب الرعاة إذ تمرد على الحكومة المهندس داود يحى بولاد ( وهو من أبناء الفور) الذى كان قياديا بارزا فى صفوف الحركة الإسلامية السياسية مذ كان طالبا فى جامعة الخرطوم ورئيسا لإتحاد طلابها.
وعزى عدم إسناد دور بارز له عندما إنتقلت الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم إلى التفرقة العنصرية وتزامن ذلك مع إستقالة عدد من أبناء دارفور من عضوية الجبهة الإسلامية.

وإنضم بولاد عام 1990 إلى الحركة الشعبية بقيادة جون غارانغ التى وفرت له ولغيره من أبناء الفور و الزغاوة التدريب العسكرى فتبنوا طروحات غارانغ التى تطالب المركز فى الخرطوم بمنح الأطراف المهمشة نصيبها من السطة والثروة والتنمية .
وحينئذ بدأ الصراع يأخذ بعده السياسى العرقى حيث قاد بولاد تمردا ضد حكومة الجبهة الإسلامية التى كان ينتمى إليها وبعثت الحكومة عددا

من ضباط أمنها لإلقاء القبض عليه ونجحوا بالفعل فى إعتقاله بمساعدة مسلحين كان يطلق عليم إسم الجنجاويد. وقدم بولاد للمحاكمة فى دارفور وتم إعدامه.

وكانت تلك المرة الأولى التى تعرفت فيها الحكومة إلى الجنجاويد وقرر جهاز الأمن دعمهم رغم تحفظات الجيش من أن تصعب السيطرة عليهم فى وقت لاحق.حيث أصبحت هذه القوات تفوق فى بعض الأحيان فى عتادها القوات النظامية فى الإقليم.
وأدى القضاء على تمرد بولاد فى مهده إلى زوال الحركة التى تزعمها قبل أن تعود إلى الوجود مرة أخرى بعد سنوات وفى عام ألفين تحت اسم حركة تحرير السودان بينما أسس الإسلاميون من أبناء دارفور من المعارضين للحكومة السودانية فى العام نفسه حركة العدل والمساواة
وفى عام ألفين وثلاثة بدأت حركتا التمرد تشنان هجمات مشتركة على مراكز الشرطة والقوات المسلحة بلغت أوجها فى أبريل نيسان امن عام ألفين وثلاثة فى الهجوم الذى إستهدف مدينة الفاشر (كبرى مدن الإقليم وعاصمة ولاية شمال دافور) .
وبدأت حركتا التمرد ترفعان شعارات المظالم السياسية والإجتماعية و التنموية والإقتصادية ومؤخرا إتهامهم للحكومة بممارسة سياسة التطهير العرقى عبر ميليشيات الجنجويد التى إستعانت الحكومة بها فى قمع التمرد الأخير وما صاحبه من عمليات نزوح جماعية داخل الإقليم وإلى دولة تشاد المجاورة. تفجر الأزمة دوليا

أدت عمليات القتال بعد رفض الحكومة السودانية بداية الأمر التفاوض مع حركتى التمرد واللجوء إلى الحسم العسكرى إلى تفجير الأزمة

دوليا فجاءت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة الذكرى العاشرة لمذبحة رواندا بأن العالم لايمكن أن يقف مكتوف الأيدى حيال ما يجرى فى دارفور.

وتلتها زيارته إلى السودان التى تزامنت مع زيارة وزير الخارجية الأمريكى التى جاءت بعد قرار الكونغرس الأمريكى نتيجة ضغط الجماعات السوداء فى الولايات المتحدة بأن مايجرى فى دارافور يعتير عملية إبادة جماعية، رغم تحفظ الإدارة الأمريكية والإتحادين الأوربى والإفريقى على هذا الحكم. ثم صدر قرار مجلس الأمن الدولى فى الثلاثين من يوليو/ تموز الذى أمهل خلاله الحكومة السودانية ثلاثين يوما لإنهاء الإنتهاكات فى إقليم دارفور.

No comments: