Monday 14 June 2010

الإسلام والبيئة - كلمة ألقاها صاحب السمو الملكي أمير ويلز


لقى صاحب السمو الملكي أمير ويلز كلمة في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية يوم الأربعاء، 9 يونيو (حزيران) 2010، موضوعها "الإسلام والبيئة" تحدث فيها عن تعاليم الإسلام والأديان الكبرى فيما يتعلق بالإنسان والبيئة.

فقد دُعي صاحب السمو الملكي الأمير تشارلز، باعتباره راعيا لمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، للمشاركة في الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين للمركز. وفي حديثه عن زيارته هذه، أشاد صاحب السمو الملكي بدور الجاليات الدينية في المملكة المتحدة، وكذلك بالجهود التي يبذلها المركز، وخصوصا برنامج قيادات الشباب والشابات المسلمين.


"فهذه مساهمة هامة جدا في عملية تعزيز تقدير الذات لدى الشباب المسلمين - والذين أبدي اهتماما عميقا بهم."

وأكد صاحب السمو الملكي الأمير تشارلز في مستهل كلمته مدى الحاجة لدعم وتشجيع الجاليات الدينية على الاندماج بالمجتمع البريطاني. وقد أمضى صاحب السمو الملكي السنوات الخمس والعشرين الماضية باذلا الجهود لمساعدة الأقليات في المملكة المتحدة على الاندماج بالمجتمع البريطاني، وبناء علاقات طيبة ما بين كافة الجاليات الدينية في المجتمع. فقد قال:

"حاولت بكل تأكيد خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية أن أجد أكبر عدد من السبل للمساعدة في اندماجهم بالمجتمع البريطاني، وبناء علاقات طيبة ما بين الجاليات الدينية في مجتمعنا. ولديّ اعتقاد بأن أفضل سبيل لتحقيق ذلك يكون عبر تأكيد الوحدة من خلال التنوع. وبهذه الطريقة فقط يمكننا ضمان الإنصاف وبناء الاحترام المشترك في بلدنا. وإذا وُفقنا فيما نفعل هنا فربما استطعنا أن نكون نموذجا يحتذى في العالم."


وقد اختار صاحب السمو الملكي الأمير تشارلز موضوع "الإسلام والبيئة" ليكون محور التركيز في كلمته، جامعا ما بين مجالين مهمين من عمله طوال ثلاثة عقود. فقد تحدث صاحب السمو الملكي، مخاطبا الحضور، عن أهمية أن ندرك جميعا الأضرار التي يتسبب بها الإنسان للبيئة، واتخاذ خطوات لوقفها قبل فوات الأوان. وأحد أوجه الشبه الكبيرة ما بين أديان العالم الكبيرة هو التركيز الكبير على حماية البيئة - التي خلقها الله.


وشجع الأمير تشارلز أتباع الأديان في العالم على العودة إلى تعاليم أديانهم حول هذه المسألة. وقال صاحب السمو الملكي بأن هناك انقساما حاليا ما بين الإنسان والطبيعة سببه ليس التصنيع والتطور التكنولوجي والسعي للنمو الاقتصادي فحسب، بل كذلك المواقف تجاه العلاقة بالطبيعة. وقال إن أسلوب التفكير قد تغير عبر القرون القليلة الماضية ليسير عكس طبيعة تعاليم التقاليد المقدسة في العالم، بما فيها الإسلام. وقال إن الأديان الكبيرة كافة تستند في جذورها إلى حقيقة أن الإنسان جزء من الطبيعة، وليس في منأى عنها، ويجب أن يعيش ضمن حدودها وإمكاناتها.


وقال:

"وعليه أريد منكم اليوم أن تتفكروا بمنتهى الجدية إن كان جزء كبير من الحل لكافة "أزماتنا" في أنحاء العالم لا يكمن فقط في توفير المزيد من التكنولوجيا الأكثر تقدما، بل يكمن أيضاً في استعادة الروح

إلى تفكيرنا العام. وليس باستطاعة العلم والتكنولوجيا أن يفعلا ذلك. بل إن التقاليد المقدسة هي التي لديها القدرة على تحقيق ذلك.

وتحدث أمير ويلز عن الأهمية والاحترام الكبيرين اللذين يوليهما الدين الإسلامي للحفاظ على البيئة، حيث قال:

"من واقع معرفتي بالقرآن، فإنه لا ينفك يصف عالم الطبيعة المرة تلو المرة على أنه من صنع المحسن الواحد الأحد. ويصف الطبيعة بوضوح على أنها تمتلك خواص العقلانية، وأنه ليس هنالك ما يفصل بين الإنسان والطبيعة، وهذا مرجعه بكل تأكيد إلى عدم وجود ما يفصل بين العالم الطبيعي والله. ويعرض القرآن صورة متكاملة للكون حيث الدين والعلم، والعقل والمادة جزءٌ من كلٍّ حيٍّ وواعٍ. وبالتالي فإننا كائنات فانية تحتويها السرمدية، وكل واحد منا يمثل صورة مصغرة عن الكلّ. وهذا يوحي لي بأن الطبيعة شريك مدرك، وليست عبداً منقاداً للإنسانية، وإنما نحن مستأمنون عليها؛ نحن ضيوف الله لفترة قصيرة.

اسمحوا لي أن أقتبس آية من القرآن الكريم، "قُل أرأيتُم إنْ أَصبَحَ ماؤكم غَوراً فَمَن يأتيكم بماء مَعينٍ".


هذا هو الكرم الإلهي علينا إذ يزودنا بما نحتاج وبأماكن نسكنها ولباسنا وأدواتنا ووسائط نقلنا. إن الأرض قوية ومعطاءة ولكنها في الوقت ذاته ناعمة ورقيقة ومتداخلة التركيب ومنوعة، ولهذا فلا بد أن تكون وطأتنا عليها رقيقة على الدوام ."

وأشار إلى أن هذه التعاليم جلية كذلك في الدين اليهودي وفي ديانته هو أيضاً، الديانة المسيحية، وتم التعبير عنها بشكل جيد فيما كتبه شعراء وعلماء مسلمون وشعراء غربيون مثل ووردزوورث.


وأوضح بأن أوجه الشبه بين تعاليم الأديان الكبيرة حول العلاقة مع الطبيعة أكثر من الاختلافات بينها.

"مهما كان الدين الذي ننتمي إليه، فإن جوهر الحقيقة يبقى هو ذاته. إن ما ورثناه من خالقنا يتعرض إلى الخطر. ولن يكون من المفيد في نهاية المطاف أن نحاول أن نعزي أنفسنا، ونحن في وسط الركام، بأننا فعلنا ما فعلنا في سبيل تنمية الجنس البشري وتقدمه. والحقيقة المزعجة هنا هي أننا شركاء في هذا الكوكب مع بقية المخلوقات ولسبب وجيه جداً- ألا وهو أننا لا نستطيع العيش وحدنا دون وجود بيئة حياة متوازنة بشكل معقد من حولنا. لقد علمنا الإسلام هذا دائماً، فإذا ما أهملنا هذا الدرس فإننا نكون قد تخلينا عن عقدنا مع الخليقة."


وقال الأمير تشارلز إن الفكر العقائدي الحديث الذي هيمن على التفكير الغربي ردحاً من الزمن قد ينظر إلى التعاليم الدينية والحكمة المتوارثة، كذاك النوع الذي تتضمنه تعاليم أديان العالم الكبيرة، على أنها ضرب من "النظر إلى الوراء". لكن قال صاحب السمو الملكي بأنه يشعر أن بإمكان الحكمة المتوارثة أن تمتزج مع الاحتياجات الحديثة، وعليه فإن التقاليد ليست نظراً إلى الخلف بل هي رؤية مستقبلية.


"إن العقيدة العصرية التي هيمنت على التفكير الغربي عقداً من الزمن توحي بأن "التقاليد" هي نظر إلى الوراء. وما حاولت شرحه اليوم هو أن هذه المقولة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة. فالتقاليد هي تراكم للمعرفة والحكمة، وهما ما يجب علينا تقديمه للجيل القادم. وعليه فإن التقاليد هي رؤية مستقبلية - تنظر إلى الأمام ."


وختم الأمير تشارلز كلمته بالقول:

"إن هناك حقيقة جوهرية في المثل البدوي القديم على بساطته، إذ يقول "إن أفضل المساجد كلها هي الطبيعة ذاتها."


No comments: